مع بدء تشغيل مركز لوجستي ضخم بقيمة 250 مليون دولار في ميناء جدة الإسلامي، يشهد الشرق الأوسط تحولاً جذرياً في قطاع اللوجستيات. يمثل هذا المرفق المتطور مشروعاً تعاونياً بين موانئ دبي العالمية والهيئة العامة للموانئ السعودية (موانئ)، مما يمهد الطريق لقفزة كبيرة في التجارة الإقليمية من خلال تعزيز الكفاءة وتحسين الإجراءات التشغيلية.
باعتباره الحديقة اللوجستية الضخمة الأولى في المملكة العربية السعودية، يقف هذا المركز كدليل على التأثير التحويلي الذي تمتلكه مثل هذه المرافق على مشهد التجارة والتنمية الاقتصادية.
الحدائق اللوجستية الضخمة هي مناطق صناعية واسعة ومصممة استراتيجياً لدعم المتطلبات المعقدة للوجستيات الحديثة. هذه المراكز حيوية لتخزين، مناولة، توزيع، ونقل البضائع، مما يعزز بشكل كبير عمليات سلسلة التوريد. مجهزة ببنية تحتية وتقنية متطورة، توفر هذه الحدائق نظاماً بيئياً مركزياً يعزز الكفاءة ويقلل من النفقات التشغيلية.
يتجاوز دور الحدائق اللوجستية الضخمة الحلول التخزينية البسيطة؛ فهي توفر خيارات تخزين شاملة، بما في ذلك المناطق المجمركة وغير المجمركة، وكذلك مجموعة متنوعة من بيئات التخزين من الجافة إلى المبردة. تقع هذه الحدائق بشكل استراتيجي للاستفادة من الاتصال بالموانئ والمطارات ونظم السكك الحديدية، مما يقلل من تكاليف النقل ويحسن كفاءة شبكات التوزيع.
التطورات التكنولوجية هي في قلب هذه الحدائق اللوجستية، حيث تلعب الأنظمة الآلية والأدوات الرقمية دوراً رئيسياً في تبسيط العمليات وتقليل تكاليف العمالة. علاوة على ذلك، تتبنى العديد من الحدائق الحديثة الاستدامة من خلال تدابير مثل الألواح الشمسية، الإضاءة الفعالة، وإعادة تدوير المياه، بهدف تقليل بصمتها البيئية والانسجام مع المبادرات العالمية للاستدامة.
توفر هذه الحدائق أيضاً خدمات ذات قيمة مضافة مثل تخصيص المنتجات والتجميع، مما يساعد الشركات على تحسين سلاسل التوريد الخاصة بها وتلبية تفضيلات العملاء بدقة أكبر.
من المتوقع أن يصبح مركز اللوجستيات في ميناء جدة الإسلامي، الذي يمتد على مساحة 415,000 متر مربع، أكبر حديقة لوجستية متكاملة في المملكة العربية السعودية بمساحة تخزين تبلغ 185,000 متر مربع. من المتوقع أن يبدأ هذا المركز عملياته في الربع الثاني من عام 2025، وسيتم تطويره على مرحلتين. تؤكد قربه من مسار الشحن الرئيسي الذي يربط آسيا وأوروبا، إلى جانب محطة الحاويات الجنوبية لموانئ دبي العالمية، على أهميته الاستراتيجية في تعزيز الاتصال المتعدد الوسائط وزيادة القدرة على التعامل مع أحجام التجارة المتزايدة.
إن الموقع الاستراتيجي للحديقة لا يضمن فقط التخزين والتوزيع الفعالين، بل يوفر أيضاً رابطاً سلساً للمستوردين والمصدرين لتبسيط سلاسل التوريد الخاصة بهم. يتماشى تطويره مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تتصور البلاد كمحور لوجستي محوري. يتناغم المشروع مع استراتيجية النقل والخدمات اللوجستية الوطنية، التي تركز على زيادة عدد مراكز اللوجستيات داخل الموانئ السعودية وتعزيز الشراكات العالمية.
على مستوى العالم، يظهر تأثير الحدائق اللوجستية الضخمة على كفاءة سلسلة التوريد، إدارة التكاليف، والاستدامة. على سبيل المثال، يعد مركز التحالف اللوجستي العالمي في تكساس والحدائق اللوجستية متعددة الوسائط في الهند أمثلة ناجحة على هذه المرافق المتكاملة في تبسيط حركة البضائع وتعزيز التنافسية الاقتصادية.
استفادت شركات مثل Ocean Spray وDHL من هذه الحلول اللوجستية من خلال تقليل الانبعاثات وتوفير التكاليف. على وجه الخصوص، أظهرت شراكة DHL مع Schneider Electric، باستخدام وقود الطيران المستدام، الإمكانية لتقليل البصمة الكربونية مع الحفاظ على جداول التسليم المثلى.
يعد افتتاح حديقة اللوجستيات في جدة حدثاً بارزاً لقطاع اللوجستيات في الشرق الأوسط. يجسد هذا المرفق الإمكانيات الهائلة للحدائق اللوجستية الضخمة في إحداث ثورة في التجارة، ورفع كفاءة سلسلة التوريد، والمساهمة في تحقيق طموحات رؤية المملكة العربية السعودية 2030.